وبرت نيستا مارلي (بوب) ولد في 6 فبراير 1945 في قرية سانت آن شمالَ جامايكا. كان والده الكابتن نورفال مارلي 1895ـ 1955، وهو ضابط بحري بريطاني أبيض، في الخمسين من العمر عندما تزوج والدته الجامايكية السوداء الجميلة سيديلا بوكر ذات الثمانية عشر ربيعاً. وقبل أن يتم بوب عامه الأول، اضطر الكابتن نورفال إلي هجر زوجته الصغيرة وابنه نظراً لاستمرار معارضة عائلته لهذا الزواج: أدى زواج أبيه من أمه الجامايكية إلى فصله من الجيش البريطاني.
انتقلت سيديلا وابنها بوب في 1957 إلي العاصمة كينغستون بحثاً عن عمل، وسكنا في ضاحيتها الفقيرة ترينش تاون وفي أزقتها تعرف بوب إلي بعض الصبية الذين شاركوه عشق الموسيقى حيث كان يقضي كل وقت فراغه في الغناء والاستماع إلي الموسيقي. لم يكن بوب يملك مالاً ليشتري به أسطوانات، لذلك كان يستمع طوال الوقت إلي الموسيقي التي تبثها الإذاعات الأمريكية، خاصة أغاني راي تشارلز. ترك بوب المدرسة مبكراً وعمل في ورشة لِحام.
تزوجت والدة بوب، سيديلا، مرة أخرى، وانتقلت إلي ولاية ديلاوير الأمريكية حيث وفّرت بعض المال، وابتاعت تذكرة سفر أرسلتها إلي بوب لكي يلحق بها من أجل الحصول علي عمل أفضل في أمريكا. وقبيل سفره إلي أمريكا، تعرف إلي فتاة أعجبته تدعي ريتا أندرسون، وتزوجها في 10 فبراير 1966، ثم سافر إلي أمريكا ولحق بوالدته.
وفي أمريكا اشتغل بوب عاملَ نظافة في فندق دوبونت حيث كان يمسح الأرض، ثم عمل في مصنع سيارات كرايسلر في الفترة المسائية. اجتهد بوب في توفير المال لمواصلة طموحه الوحيد: الموسيقي. وفي هذه الفترة، تعرف عن قرب علي حركة المطالبة بالحقوق المدنية للسود في الولايات المتحدة، كما شاهد بعينيه المعاملة العنصرية القاسية التي يتعرض لها السود هناك مما ترك أثراً عميقاً في نفسه انعكس في أغانيه لاحقاً مثل أغنية جندي بافالو Buffalo Soldier المذهلة. وبعد ثمانية شهور في أمريكا، عاد بوب إلي جامايكا في أكتوبر1966، وأعاد تكوين فرقه الويلرز من أعضاء قدامي وجدد.
اعتنق بوب الرستفارية في عام 1966، وهي عقيدة دينية نشأت في جامايكا في العقد الثالث من القرن العشرين بواسطة حركة من الشبان السود تعتبر أفريقيا مهد البشرية متأثرين بدعوة القومية السوداء التي أطلقها الزعيم الجامايكي الشهير ماركوس كارفي (1887ـ1940).
في عام 1962، تقدم بوب إلي اختبار استماع مع المنتج ليزلي كونغ الذي أُعجب بقدراته وأنتج له أول أغنية "لا تَحكم" Not Judge التي لاقت نجاحاً متوسطاً، ثم تلتها أغنيتان لم تنجحا. قرر بوب أن الوسيلة الوحيدة لتحقيق طموحه هي تكوين فرقة. وهكذا كان.. حيث استطاع تكوين فرقة "البَكَّاؤون" The Wailers (الويلرز) مع خمسة من أصدقائه.
وفي عام 1963، وافق المنتج كلمنت دود، بعد تجربة استماع، علي إنتاج تسجيلات للويلرز. وهكذا خرجت أغنية "اهدأ"Simmer Down التي تصدرت المبيعات في جامايكا فور صدورها. وفي السنوات القليلة التالية، أصدرت الويلرز أكثر من ثلاثين أغنية. لقد كان بوب يملك موهبة عجيبة.. فهو يكتب الكلمات بنفسه ويلحنها ثم يغنيها مع الويلرز. لقد كان عبقريا بكل معني الكلمة.
. لم يكن لموسيقي الريغي، التي نشأت في جامايكا في ستينيات القرن العشرين، أن تنتشر وتكتسب أهمية عالمية لولا جهود أيقونتها الذي لن يتكرر. وكلمة ريغي تعود إلي أصل إسباني قديم وتعني "ملوك الموسيقي". ويكمن سر نجاح بوب مارلي الساحق في بساطة كلماته وأهمية الرسالة التي تنشرها: التمرد علي الظلم، العدالة، الحرية، السلام، محاربة الفقر، والحب بكل أنواعه. ولم يكن ذلك كلاماً مجانيا رخيصاً يقال في أغنياته فقط، بل عملاً متحققاً أيضاً علي أرض الواقع. فقد قال عنه رئيس منظمة العفو الدولية جاك هيلي: "حيثما ذهبت، وجدت بوب مارلي رمزاً للحرية". كما قال منتج أعماله كريس بلاكويل: "لقد كان بوب، في وقت من الأوقات، مسئولاً عن إطعام 4000 فقير تقريباً في جامايكا".
بالرغم من النجاح المحلي الجيد الذي حققته الويلرز، إلا أنها لم تستطع الاستمرار! لقد كان دخلها المادي من التسجيلات في ذلك الوقت تافهاً، فوضع الفنانين وقتها لا يقارن إطلاقاً بما هم عليه الآن! ولذلك اضطر ثلاثة من أعضائها إلي الهجرة إلي أمريكا بحثاً عن فرص أفضل لكسب العيش.
تعاقد بوب مع المنتج لي بيري الذي استطاع بفراسته أن يلمح النزعة التمردية في أغاني الويلرز التي توقع لها النجاح. ونتج عن هذا التعاون أروع الأغاني التي أصدرتها الويلرز مثل: "روح ثائرة" Soul Rebel و"فأس صغير"Small Axe. وهكذا.. واصلت الفرقة نجاحها داخل جامايكا ولكنها بقيت مجهولة عالميا.
في صيف 1971، دعا المغني الأمريكي جوني ناش صديقه بوب مارلي ليرافقه في جولة في السويد. كان بوب يكتب كلمات أغان لجوني لاقت نجاحاً جيداً. وفي السويد استطاع بوب أن يوقع عقداً لإحياء حفلة في لندن. وعندما ذهب إلي لندن كان هاجس العالمية يشغل تفكيره. وفي محاولة يائسة منه للبحث عن منفذ نحو العالمية، دخل مكتب شركة "تسجيلات الجزيرة" Island Records العريقة في لندن وطلب مقابلة مالكها كريس بلاكويل، وهو جامايكي من أصل بريطاني. كان بلاكويل علي معرفة بسمعة بوب في جامايكا وبعد أخذ ورد، فاجأ بلاكويل بوب بصفقة تعتبر نادرة في ذلك الحين: يدفع بلاكويل للويلرز مقدماً 4000 جنيه استرليني لإصدار ألبوم واحد بواسطة أجهزة الشركة الحديثة، وعندما تنتهي الويلرز من تسجيل الألبوم تستلم 4000 جنيه أخرى. لقد كانت صفقة العمر.. وبداية الطريق نحو المجد.
وهكذا خرج ألبوم "أَمْسِك النار" Catch a Fire إلي النور في 1972، وتم تسويقه بصوره محترفة تماماً.. فقد تم تغليفه جيداً، وتم الإعلان عنه بكثرة. نجح الألبوم في لفت الأنظار إلي موسيقي الريغي في بريطانيا، ولكنه لم يحقق تفوقاً عالميا ملحوظاً إلا بعد حين. وفي 1973، قامت الويلرز بزيارة بريطانيا ـ بترتيب من بلاكويل ـ وقدمت 31 حفلة.. وكان الإقبال عليها رائعاً. وفي أكتوبر 1973 زارت الويلرز أمريكا وفي جدولها 17 حفلة. وفي نهاية 1973، أصدرت الويلرز ألبومها "احتراق" Burnin الذي ضم الأغنية الشهيرة "أنا قتلت الشَّريف" IShot The Sheriff ذات المغزي السياسي التي لاقت نجاحاً كبيراً. وفي 1974، واصل بوب العمل بقوة حيث أصدر ألبوم "رعب أنيق" Natty Dread الذي ضم أغنيته الرومانسية الخالدة "لانساء لا دموع"No Woman No Cry.
ألبوماته
بوب مارلي مع فرقة الويلز عام 1980
في عام 1975، خرج من الويلرز اثنان من أعضائها (بيتر توش وبوني ويلر)، وانضمت إليها ريتا، زوجة بوب، لتصبح واحدة من المغنيات الثلاث I-Threes الشهيرات في كورال الويلرز ذوات الأصوات المخملية الرائعة: مارسيا غريفيثس، جودي موات، وريتا مارلي بالطبع. كما انضم للفرقة أيضاً عازف الغيتار آل أندرسون. وواصلت الويلرز في نفس العام القيام بالحفلات العالمية خاصة في بريطانيا وأصبح أعضاؤها نجوماً عالميين وأعظم نجوم جامايكا بدون منازع.
وفي عام 1976، أصدرت الويلرز ألبوم "اهتزاز رجل الرستفاري" Rasta man Vibration الذي حقق مبيعات قياسية. وحصلت الويلرز في نفس العام علي لقب "فرقة العام" التي تمنحها مجلة رولينغ ستونز العريقة، وتم تتويج بوب مارلي كأعظم "سوبر ستار" في العالم الثالث.
عام 1977، ومن بريطانيا، أصدرت الويلرز ألبومها الأشهر "خروج" Exodus الذي تصدر المبيعات في بريطانيا، وبقي في قائمة الألبومات الأكثر مبيعاً لمدة 56 أسبوعاً متواصلاً. كما حقق الألبوم انتشاراً كبيراً في أمريكا خاصةً بين السود. وعززت الويلرز بواسطة هذا الألبوم نجوميتها عالميا.
كان عام 1978 حافلاً. فقد أصدرت الويلرز ألبومها "كايا" Kaya. وفي نفس العام، تسلم بوب ميدالية السلام من الأمم المتحدة في نيويورك لدوره في نشر السلام عبر الفن. وأصدرت الويلرز ألبومها "بابل عبر الباص" Babylon By Bus.
عام 1979، أصدرت الويلرز ألبوم "نجاة" Survival الذي خصصه بوب من أجل الدعوة إلي الوحدة الإفريقية، وواصلت الويلرز فيه جولاتها العالمية.
وفي أبريل 1980، سافر بوب والويلرز إلي زيمبابوي ليقدموا حفلة ضمن مراسم الاحتفال باستقلال تلك الدولة الإفريقية. لقد كان ذلك تشريفاً كبيراً لبوب شخصيا، واعترافاً بالدور الإنساني والتحرري الذي يقوم به.
وفي مايو 1980، أصدرت الويلرز ألبوم "ثورة" Uprising الذي لاقي نجاحاً عالميا كبيراً خاصةً أغنية "أغنية التحرير" Redemption Song المؤثرة التي أصبحت مع أغنية "انهض.. قاوم" Get Up, Stand Up الثورية المتمردة نشيداً عالميا لكل التوّاقين للحرية. وفي نفس العام، واصلت الويلرز حفلاتها العالمية وحققت رقماً قياسيا في عدد الحضور الذي بلغ مائة ألف مشاهد اجتمعوا في ملعب كرة قدم في إيطاليا.
استمر نجاح تسجيلات الويلرز، وقُدِّرت مبيعاتها عندما توفي بوب أي في عام 1981، بـ 190 مليون دولار. وتُقدر الآن مبيعات تسجيلات بوب مارلي منفردة بنصف مبيعات "جميع" موسيقي الريغي في الولايات المتحدة.
بِيع من ألبوم بوب مارلي " أسطورة " Legend لوحده أكثر من 20 مليون نسخة أي ما يعادل 180 مليون دولار وذلك حصيلة ألبوم واحد في الولايات المتحدة فقط. يقول منتج أعماله كريس بلاكويل إن مبيعات تسجيلات بوب بلغت 300 مليون نسخة (أسطوانة، شريط، C.D) تقريباً حتي عام 2000، وهو رقم خرافي لمغن من العالم الثالث توفي قبل ربع قرن.
أكثر الفنانين تأثيراً في النصف الثاني من القرن العشرين
نقش اسم بوب مارلي ضمن مشاهير هولييود
الكثير من النقاد لم يدركوا قوة وأهمية وتأثير بوب مارلي إلا بعد موته. فعند حلول الألفية الثالثة، وصفته جريدة نيويورك تايمز بأنه "أكثر فنان تأثيراً في النصف الثاني من القرن العشرين"، واختارت الـ BBC أغنيته الشهيرة "الحب للجميع" One Love نشيداً لنفس المناسبة، وربما كان الشرف الأهم وغير المتوقع هو ما جاء من مجلة "رجعية" مثل تايم ـ كما وصفها الناقد الموسيقي روجر ستيفنس ـ التي وصفت ألبومه الشهير "خروج" Exodus بأنه "ألبوم القرن". كما مُنح في عام 2001 جائزة «غرامي» الموسيقية الرفيعة عن نتاجه الإبداعي مدي الحياة. ونُقش اسمه في جادَة مشاهير هوليوود في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية في عام 2001 مع نجوم هوليوود. وبالرغم من الاختلاف الكبير بين موسيقي الريغي الهادئة نوعاً ما، وموسيقي الروك آند رول الصاخبة وذات الشعبية الساحقة في الولايات المتحدة، فقد تم ضم بوب مارلي إلي متحف مشاهير الروك آند رول في الولايات المتحدة في عام 1994، وذلك اعترافاً بعبقريته الموسيقية الفذّة.
صحيح أن بوب مارلي قضي، لكن أنغامه لا تزال حية يستمتع بها ملايين البشر كل يوم. إن غناء مارلي أغنية "الحب للجميع"One Love وحدها تكفي ـ وتزيد ـ لكي يحبه كل البشر بدون تمييز. لقد دعا فيها للسلام وللأخوة الإنسانية بين جميع الأعراق والأديان ونبذ التعصب الديني في العالم. لقد تساءل مارلي فيها: "هل هناك مغفرة للمذنب اليائس.. الذي آذي كل البشر من أجل نفسه؟!". لقد غني هذه الأغنية في منتصف سبعينيات القرن العشرين، وكان فيها صاحب رسالة سامية ورؤية استشرافية ثاقبة. لقد دعا فيها إلي مقاومة كل من يشعل الحروب الدينية حيث قال: "هيا نقاوم هذه الهَرْمَجَدّون المقدسة.. حتي لا يكون هناك هلاك للبشرية". حقًّا، لقد كان إنساناً نبيلاً قبل أن يكون فناناً عظيماً يصعب تكراره.
وفاتة
بينما كان بوب يلعب كرة القدم عام 1977، أصيب إصبع قدمه بجرح. عولج الجرح، ولكنه لم يلتئم. اكتشف فيما بعد التشخيص الصحيح أنه مصاب بنوع من سرطان الجلد الذي نما تحت ظفر إصبعه. لزم بتر الطرف المصاب، لكن معتقدات بوب الرستفارية منعته من ذلك. وأثناء وجود الويلز في أمريكا سنه1980 لتقديم حفلتين في صالة الماديسون سكوير غاردن في نيويورك، خرج بوب يوم 21 سبتمبر ليمارس رياضة الجري حول المنتزه الرئيسى في نيويورك، فسقط فاقداً الوعي. اكتشف الطبيب أن السرطان تغلغل في جسده. عاش بوب بعدها ستة أشهر أنهك فيها السرطان جسده المتعب حتي فتك بمعدته، ثم إحدي رئتيه، وأخيراً وصل إلي دماغه، قبل أن يتوقف قلب الفنان الأسطوري في أحد مستشفيات ميامي الأمريكية في11 مايو 1981 عن عمر يناهز السادسة والثلاثين عاماً.
و قد مُنح بوب وساماً رفيعاً من بلاده قبل شهر من وفاته تقديراً لدوره في نشر السلام والحرية داخل وخارج جامايكا.